لم يكن عزام عزام أول جاسوس إسرائيلي تقوم مصر بتسليمه إلي تل أبيب، قبل أن يقضي المدة الصادرة ضده في السجن.. فقد سبقه كثيرون في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، وفي عهد الرئيس السادات، وفي عهد الرئيس حسني مبارك نفسه. ولم يكن إطلاق سراح الطلبة المصريين الستة المحتجزين في إسرائيل بتهمة التسلل إلي الأراضي الإسرائيلية، هي المرة الأولي التي تقوم فيها تل أبيب بالإفراج عن مصريين قبل أن تحاكمهم أو قبل أن يقضوا عقوبة السجن الصادرة ضدهم.. فقد سبقهم كثيرون أيضاً.
هذا الحدث الأخير ـ أي الإفراج عن الجاسوس عزام وإطلاق سراح الطلبة المصريين ـ الذي أثار دهشة الكثيرين من أبناء مصر، جعلنا نفتح ملف تبادل الجواسيس والمتهمين، بين القاهرة وتل أبيب خلال الخمسين عاماً الماضية.
هناك حقيقة مهمة، صنعت هذا التحقيق، وهي أنه عندما يسقط الجواسيس في قبضة أجهزة الأمن.. وتظهر أدوات التجسس، وتفتح ملفات التحقيق.. ويعترف الجواسيس بكل كبيرة وصغيرة.. وتقترب أعناقهم من حبال المشانق.. عندها تبدأ وفوراً الأجهزة في السعي لحماية جواسيسها، واستردادهم بأي ثمن.. وتحت أي مسمي.. وهنا تبدأ المفاوضات لتبادل الجواسيس.
وعمليات تبادل الجواسيس لا تخضع لقواعد أو قوانين أو بروتوكولات محددة.. حتي الاتفاقيات الأمنية المشتركة بين الدول لا تنطبق عليها مثل هذه الحالات.. كما أن الإنتربول الدولي لا يتدخل في هذه المفاوضات من قريب أو بعيد.
والحقيقة أن أجهزة المخابرات تسعي لاستعادة جواسيسها وعملائها الذين سقطوا للتأكيد علي حقيقة مهمة للغاية.. وهي توصيل رسالة غير مباشرة إلي عملائها الآخرين في نفس الدولة، أو في الدول الأخري، بأنها وراءهم دائماً، تحميهم وتساندهم حتي النهاية، وأنها لن تتركهم يواجهون الموت حتي لو اعترفوا علي أنفسهم بعد سقوطهم.
ولا تكتفي إسرائيل فقط بالسعي لاسترداد جواسيسها المقبوض عليهم، ولكنها تسعي لاسترداد جثث الجواسيس، سواء من نفذت فيهم أحكام الإعدام، أو الذين ماتوا خلال فترة تنفيذ العقوبة، أو الذين انتحروا خلال فترة حبسهم علي ذمة التحقيق.
وغالباً ما يتم تبادل الجواسيس في أماكن يتم تحديدها داخل إحدي الدولتين، أو خارجهما، علي أرض دولة محايدة يختارها الطرفان، أو عن طريق وسيط ثالث.
وتعتمد خطة تبادل الجواسيس علي أسلوب التفاوض المتبادل بين أجهزة ودوائر الحكم في البلدين من خلال القنوات الرسمية السرية.. وقد يصعد الأمر إلي حد مناقشة هذا الموضوع علي مستوي رؤساء الدول خلال لقاءاتهم المشتركة.. وقد تتحول القضية إلي أزمة سياسية، تشتعل بين البلدين في حالة فشل المفاوضات