طوال الاسبوع الفائت كان هو الحدث، وسيظل حديث وسائل الاعلام وحديث الناس لفترة طويلة. انه مصعب حسن يوسف نجل «الشيخ حسن» احد مؤسسي حركة «حماس» الذي عمل لاكثر من عشر سنين في جهاز «الموساد» الاسرائيلي، واحبط عشرات العمليات الاستشهادية، وكشف عن معظم خلايا المقاومة، وأنقذ عددا من المسؤولين الاسرائيليين بينهم شيمون بيريز (وزير الخارجية يومذاك) والحاخام عوفاديا يوسف من الاغتيال... حتى حظي داخل «الشاباك» بلقب «الأمير الأخضر».
ما قصة مصعب الذي اعتنق المسيحية؟ ماذا يقول عن نفسه؟ ماذا يقول عنه الاسرائيليون؟... وما الذي دفعه الى التحالف مع الشيطان ضد بني قومه؟
الحياة السرية لمصعب حسن يوسف يمكن اختصارها بكلمة واحدة: اللامعقول. ابن أبرز مؤسسي حركة «حماس» ورفيق الشيخ احمد ياسين، الشيخ حسن يوسف لا غيره، الذي تجند في «حماس» وتدرب على العمل السري، واختار في النهاية ان يتطوع في خدمة «الموساد» من شدة كراهيته «حماس»، قبل ان يقرر اعتناق المسيحية.
زلزال؟ نعم، الأمر يشبه الزلزال داخل الحركة، وهو زلزال يرويه فصولاً كتاب يحمل توقيع مصعب نفسه الذي صار اسمه «جوزف» (اي يوسف) وينشر هذا الاسبوع في الولايات المتحدة بعنوان «ابن حماس».
متى بدأت القصة؟
القصة بدأت في العام 1996 (كان عمره يومذاك 18 عاماً) يوم قرر التجند في خدمة «الموساد»، ولا تنتهي في العام 2005 يوم قرر اعتناق المسيحية. لماذا اعتنق المسيحية؟ مصعب يقول: ان الدين الاسلامي ليس دين سلام... انه وراء افكار الارهابيين، ويضيف: المشكلة هي في القرآن الذي يقرأه المسلمون المعتدلون والمتطرفون!
وبصرف النظر عن الاسلام الذي يصفه «بالوحشية ودين الكراهية والعنف» من وجهة نظره، نعود الى القصة، استناداً الى ثلاثة مصادر: المصادر الاسرائيلية، مضمون الكتاب، وتصريحات مصعب نفسه.
يشير مصعب إلى أن بداية تجنيده كانت في العام 1996 يوم كان محتجزا في سجن «مجدو» الإسرائيلي. يقول: أثناء الشهور الـ16 التي قضيتها فى السجن الإسرائيلي عرفت الوجه الحقيقي لحماس، «فهي منظمة سلبية وسيئة بكل بساطة، وكان زعماؤها في السجن، وبخلاف بقية المعتقلين العاديين من أعضاء حماس، يعيشون ظروفا أفضل من حيث الغذاء والاستحمام والزيارات العائلية المتكررة، إنهم بلا أخلاق أو مبادئ لكنهم ليسوا أغبياء مثل حركة «فتح» التي تسرق في وضح النهار أمام الجميع. إن أعضاء حماس يتسلمون الأموال بطرق غير مشروعة ويستثمرونها في أماكن سرية، ويبقون ظاهريا على أسلوب حياة بسيط، مضيفاً: «فى نظري كلهم قساة من الداخل».
فى السجن زار مصعب شخص اسمه الحركي «لؤي»، وهو ضابط مخابرات إسرائيلي، وتناقش معه لمدة 60 يوماً لإقناعه بالعمل مع الشين بيت. يقول يوسف إنه انقلب على «حماس» حينما أدرك أن والده - الذي ينظر إليه على أنه معتدل نسبياً - لا يمثل قلب المنظمة. فقد كان يخطب فى مسجد البيرة خطبا حماسية لكنها معتدلة قياساً الى متطرفي حماس. كما رأى مصعب أن جوهر الحركة الإسلامية المسلحة فاسد ومدمر بكراهية الذات التي سببت كوارث للشعب الفلسطيني. وفي هذا يقول أخرجوني من السجن بعدما تأكدوا من صدق كلامي وكراهيتي لـ»حماس» وكانوا يسمونني بـ«الأمير الأخضر»، في إشارة إلى علم حماس الإسلامي الأخضر.
وقد أشاد الكابتن لؤي، ضابط المخابرات الإسرائيلى، بعميله العربي الذى انبثق اسمه من لون راية الإسلام وراية حركة حماس، ومن مكانته كابن لمؤسس الحركة التي عادة ما تقتل الأشخاص الذين يشتبه في تعاونهم مع الدولة اليهودية. في هذا «الانجاز» يقول: «إن الكثير من الناس يدينون له بحياتهم من دون أن يعرفوه». ويضيف: «إن الشيء المدهش أنه كان يقدم هذه الخدمة مجانا من دون الحصول على أي أموال، فلقد فعل ما يؤمن به، إذ أراد أن ينقذ الأرواح، وقد كان ملما بالأمور الاستخباراتية بشكل جيد كما كنا نريد من أفكار ورؤى، ففكرة واحدة منه كانت ستأخذ حوالى ألف ساعة من التفكير من قبل كبار العاملين في المخابرات الإسرائيلية».
مصعب من جهته كشف أن الشين بيت اعتبره المصدر الأكثر مصداقية وأنه الأرفع مستوى، الذي تم زرعه فى أوساط قيادة الحركة الإسلامية «حماس» فبفضل مصعب، تم الكشف عن عشرات الانتحاريين خلال الانتفاضة الثانية، والحيلولة دون اغتيال شخصيات إسرائيلية، مثل الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز والحاخام عوفاديا يوسف، كما اسهم في اعتقال عدد من كبار المطلوبين الفلسطينيين المسؤولين عن قتل عشرات الإسرائيليين في عمليات استشهادية، ومن بينهم عبد الله البرغوثي وإبراهيم حامد ومروان البرغوثي. ويروي مصعب كيف كان يتصل بخالد مشعل أسبوعيا في دمشق وكيف كشف أول خلية لشهداء الأقصى.
ويتحدث مصعب عن آخر مرة تقابل فيها مع والده الشيخ حسن يوسف أثناء الانتفاضة، فقد ذكر له والده أنه بصفته ممثلا لحماس فإنه على اتصال بدبلوماسيين أميركيين من خلال وساطة أوروبية، وأوضح الشيخ يوسف: «أعرف أن ما أقوله للأميركيين سوف يصل الى الإسرائيليين، لذلك أنا أتحدث إلى الإسرائيليين»، وبعد هذا الحديث بأسبوع تم اعتقال الشيخ حسن من قبل «الشين بيت» بمساعدة مصعب ليتفادى تصفية جسدية لوالده على يد الجيش الإسرائيلي.
ويتحدث مصعب عن تجربة اعتناقه المسيحية عندما سافر إلى الولايات المتحدة للقاء شقيقته والبحث عن عمل، لكنه مر بظروف صعبة هناك حتى أرسل إلى أهله يقول إنه لولا الكنيسة وصديق نصراني لأصبح مشردا. كان ذلك في العام 2008.
مصعب حسن يوسف يعيش حاليا في كاليفورنيا، حيث يتعبد بكنيسة سان دييغو. ووفقا لمصعب فإن والده السجين لدى الإسرائيليين أصيب بالصدمة إثر أخباره عن اعتناقه المسيحية، ومع ذلك رفض الأب التبرؤ من ابنه، لأن ذلك يعني موافقته على إهدار دمه وقال لعائلته: «لا نخسر مصعب وندعوه إلى الإسلام والى أن يعود عن فكرته».
وينتهي الكتاب بزعم أن قصة مصعب هي قصة الخطر والشجاعة والايمان بأن محبة الأعداء هي السبيل الوحيد للسلام في الشرق الأوسط. لكن الكتاب لا يتطرق الى قضية اغتيال محمود المبحوح الذي تورط فيها مصعب لدوره في إمداد الموساد بمعلومات عن حركة حماس وتنظيمها الداخلي، وكيف يتنقل المبحوح في عدة مهن من أجل جمع الأموال لحماس.
البدايات
في حديث أدلى به من كاليفورنيا يروي مصعب قصة التحول الذي طرأ على حياته. مراسل الصحيفة الذي سجل الرواية ينقل عن ضابط الأمن «لؤي» الذي أشرف على تجنيده كلاماً مثيراً: لم نعرف صورته بالضبط أو اسمه، لكن عرفنا فقط أنه في العشرينيات من عمره، يلبس قميصا أحمر. أرسلنا «الأمير الاخضر» إلى الميدان وحدد الهدف بمشاعره الذكية في غضون دقائق. عرف من الذي نقله، وتابع السيارة وقادنا إلى اعتقال المنتحر والشخص الذي كان يجب أن يعطيه الحزام. وهذا إحباط لعملية أخرى لا يكاد أحد يذكرها. لا يفتح أحد زجاجات شمبانيا أو يندفع إلى الرقص والغناء. لقد أظهر شجاعة، وأحاسيس ذكية، وقدرة على مجابهة الخطر. علمنا أنه يعطي أقصى ما عنده في كل وضع، في المطر أو الثلج أو الصيف.
يتذكر مصعب يوسف جيدا اليوم الذي دخل فيه رجل شاباك زنزانته في المعتقل في المسكوبية، واقترح عليه أن يعمل من أجل إسرائيل، أو بعبارة أخرى أن يصبح متعاونا. كان حتى ذلك الاعتقال عضوا في خلية طلاب حماس في جامعة بيرزيت وكان مشاركا في رمي حجارة. زج به في السجن بعد أن اشترى سلاحا فقط في العام 1996. عند حاجز قرب رام الله أوقف جنود سيارة السوبارو التي قادها وأمروه بإطفاء المحرك. ويقول مصعب «أخرجوني من السيارة وقبل أن استطيع الدفاع عن نفسي رموني أرضا وضربوني بشدة».
ويوضح أنه لم يخطط لأن يصبح متعاونا ولا قرر ذلك فجأة. «نقلت الى المعتقل، المسكوبية، وتعرضت إلى تعذيب غير سهل وضربوني مرة بعد أخرى في التحقيق، وقيدوا يدي بقوة. آنذاك أتى رجل الشاباك وعرض علي أن اعمل معه. لم أطلب مالا لأن وضعي المالي كان جيدا. فكرت في أن أقول له إنني موافق كي اصبح عميلا مزدوجا ولأنتقم من الشاباك ومن إسرائيل لاعتقالي وللأمور التي فعلوها بأبي.
يضيف: كانت خطتي أن أجمع معلومات عن الشاباك من الداخل وأن استعمل ذلك في مواجهة إسرائيل. علمت أن الحديث عن جهة ظلامية سيئة وعن أشخاص سيئين يقومون باشياء فظيعة كإرغامهم شخصا على أن يصبح متعاونا. لم أعلم آنذاك ما الذي يتحدثون عنه وما هو الشاباك حقا. وبعد أن وافقت تركوني في السجن مدة 16 شهرا كي لا أخرج مبكرا جدا، لأن ذلك كان سيثير ارتيابا بأنني عميل للشاباك».
ويقول إنه شهد في فترة سجنه أشياء فظيعة. «مكثت في السجن مع أعضاء حماس، ومع مسؤولين كبار في المنظمة استعملوا جهازا يسمى «مجد» – وهو جسم أمني داخلي في حماس يرمي إلى الكشف عن عملاء لإسرائيل- كانوا يعذبون السجناء، وأكثرهم من حماس، لأنهم شكوا في تعاونهم. كان عملي أن أسجل الاعترافات وشهادات المحقق معهم واعتمدوا علي لأنني كنت ابن الشيخ. هناك فقدت ثقتي بحماس. لقد قتلوا أشخاصا بلا سبب.
في حين كان الجميع يحذرونني من الشاباك، رأيت لأول مرة في حياتي أعضاء حماس يعذبون رفاقهم وأبناء شعبهم بقسوة لا مثيل لها. لم تهمهم الحقيقة قط. كان يكفي أن يرتابوا بشخص ما حتى تنتهي قصته. لقد عذبوا بقسوة، وأحرقوا أجساد الذين تم التحقيق معهم، ووخزوهم بالأبر واطفأوا السجائر في أجسادهم. وأقسمت لنفسي أنني عندما أتحرر لن أظل في حماس ولن أعمل مع إسرائيل ايضا. اطلقت من السجن في العام 1997 وأقام الشاباك صلة بي. استقر رأيي على قطع الصلة بيني وبينهم، وأردت أن أجابههم كي أفعل ذلك كما يجب. فاجأني أن اللقاء الأول كان وديا جدا ولذيذا. كنت في حالة فضول وأردت أن اعرف أكثر، لم تكن عندي خطط لقتل أحد أو للتجسس، كنت فضوليا ببساطة.
وهكذا وافقت على لقاء مستخدمي، الكابتن لؤي، مرة ثانية، وبعدها مرة بعد أخرى. يقول إن ضابط الشاباك نجح في المرة الثانية في مفاجأته. أوضح لي أنني إذا كنت أريد العمل مع الشاباك فعلي أن احترم عددا من القواعد. لا يجوز لك مصادقة نساء فاسدات وأن تسلك سلوكا غير أخلاقي، هذا ما قاله لي. لا تجامع نساء وتسلك سلوكا أزعر، أنت خصوصاً، ابن شيخ، يجب عليك أن تجد عملا وأن تسوي أمورك. ذات مرة، في منتصف لقاء مع الكابتن لؤي في القدس، أوقف اللقاء وسألني: هل صليت الظهر؟ فوجئت وقلت لا. فطلب مني أن اذهب لأتوضأ وأصلي الظهر ثم نكمل. «
كان من المهم لهم أن استمر كما أنا، وألا أتغير، وأن أكون جديا. فهم يريدون أشخاصا محترمين يقدرهم مجتمعهم لا اشخاصاً لهم سمعة سيئة. وأصبحت أكثر فضولا وأردت ان أتعلم عنهم أكثر. عاد مستخدمي وقالوا لي كل مرة من جديد: عليك أن تحترم أباك وأمك وألا تسيء إلى أحد. لم يطلبوا حتى ذلك الحين معلومات عن أي شخص وأصبحت أكثر جدية في العلاقة بهم. احترمني مستخدمي من جهتهم وعاملوني معاملة حسنة جدا بل ساعدوني في الدراسة. كنت مندهشا لسلوكهم. لم يريدوا العمل ضد الفلسطينيين اطلاقا بل ضد المتطرفين. نظرت إلى هؤلاء الناس الذين أردت في الماضي كثيرا أن أقتلهم وتبين لي أن كل ما علمته عنهم لم يكن صحيحا.
أحب اعداءك
كانت تلك أيضا الفترة التي بدأ فيها يقترب من المسيحية وقرأ الانجيل. «أذكر أنني صادفت عبارة «أحب أعداءك»، ما جعلني أفكر – هؤلاء أعدائي، الشاباك، والجنود يحاولون فقط أداء عملهم. فكرت بيني وبين نفسي كيف تسلك حماس في وضع عكسي، هل كانوا يظهرون الرحمة لليهود؟ وفكرت في نفسي من الذي يهزأ به، هل كانت حماس وفتح تسلكان مسلكا أكثر انسانية؟ ما عدت أستطيع تعريف من هو عدوي. صحيح، ارتكب الشاباك أخطاء وقتل أناسا غافلين لكن هدفه الرئيس وهدف إسرائيل كان الحفاظ على مبادئ دولة ديمقراطية. هناك 1.2 مليون فلسطيني يعيشون في إسرائيل، داخل الخط الاخضر، ويتمتعون بحقوق ورفاهة في إسرائيل أكثر مما في أي دولة عربية. ومع ذلك كله أخذ هؤلاء الجنود أبي أمام عيني، واطلقوا النار على اشخاص أمام عيني. وصدقني أنه لم يكن سهلا عليّ أن أعمل من أجل هؤلاء الأشخاص، كان هذا تحولا حقيقيا».
يسأله مراسل «هآرتس»: ماذا كانت أهدافك عندما وافقت على العمل من أجلهم؟ ويجيب: رأيت تعذيبا وقتلا وحربا على الأرض. أرى أن حياة الانسان وإنقاذه هما الشيء الأهم، أكثر من أي قطعة أرض أو عقار. أردت أن أنقذ وأنقذت حياة إسرائيليين وفلسطينيين. لم يكن ذلك لأن الشاباك ضغط عليّ أو من أجل المال. فعلت ذلك لأنني فهمت ما هي حماس حقا وكان علي أن أقوم بتغيير من أجلي ومن أجل الآخرين. وقلت لنفسي إنهم حتى لو زعموا أنني خائن فليقولوا ما يشاءون. لن يصدقني الناس وسيعتقدون أنني فعلت ذلك من أجل المال لكنهم لا يعلمون. كنت سعيدا، سعيدا جدا، عندما أوقفت مخربا انتحاريا.
خلال المقابلة الصحافية يبرز استعمال مصعب يوسف لضمير المتكلم الجمعي، «نحن»، و»اعتقلنا»، حين يتناول عمل الشاباك. ولديه في كاليفورنيا قميص كتب عليه بالانكليزية «أنا أعمل عملاً سرياً لا أعلم ما هو جهاز الأمن». يقول ضاحكاً: «يوجد لدي أيضا قميص للجيش الإسرائيلي، بلون زيتي مع الشعار الذي أحبه جدا».
في العام 1999 كان مصعب في قلب قيادة حماس في الضفة، وصحب أباه في كل مكان. وكما ينشر لأول مرة في الكتاب، فكر الشيخ حسن يوسف في تأسيس حماس في الضفة قبل أن تولد رسميا بسنة، ويقول مصعب في الكتاب إن أباه الشيخ حسن يوسف التقى الشيخ أحمد ياسين ومحمد جمال النتشة، ومحمد مصلح وآخرين في الخليل في العام 1986، وخططوا لإقامة الحركة.
وفي كانون الأول (ديسمبر) العام 1987 أعلنت حماس تأسيسها رسميا. في أيلول (سبتمبر) العام 2000، عندما كان ارييل شارون يوشك أن يزور جبل الهيكل، كان من الطبيعي أن يصحب مصعب يوسف أباه إلى اللقاءات. وفي 27 ايلول (سبتمبر)، قبل زيارة شارون بليلة، التقى الشيخ يوسف مروان البرغوثي، قائد تنظيم فتح في الضفة وعددا من قادة الفصائل الأخرى. «نقلته إلى اللقاء وعندما عدنا قال لي إنهم اتفقوا على أن يحركوا، بعد زيارة شارون الحرم، تظاهرات تؤدي إلى انتفاضة في آخر الأمر. كانت خططهم إثارة أحداث شغب تستمر أسبوعين أو ثلاثة». ويضيف: خططوا للانتفاضة ولا يقولون لك غير ذلك. لم تشأ قيادة حماس في الخليل وفي غزة المشاركة في أحداث الشغب، لأنها زعمت أن عرفات لا يستحق أن يساعدوه بعدما طارد الحركة على نحو شديد جدا. وفي الحقيقة لم تشارك حماس في غزة في التظاهرات في بدء الانتفاضة. لكن أبي كان مؤيدا لذلك.
ويسأل المراسل: ماذا يعني خططوا؟ هل طلب منهم عرفات فعل ذلك؟ ويجيب مصعب: لا استطيع أن أقول لك إنه اعطى أمرا، لكنه بارك النهج. أيها الرجل، ما الذي تعتقد – كان البرغوثي وحسين الشيخ، وكل اولئك الذين نظموا المظاهرات، يلتقون عرفات كل يوم. فما الذي تحدثوا فيه آنذاك؟ لكن ليس هذا أسوأ شيء تبينته آنذاك عن عرفات. كنت أنا الذي كشفت أن الخلية الأولى من كتائب شهداء الأقصى كانت في واقع الأمر جماعة من أعضاء الحرس الرئاسي لعرفات، القوة 17، التي حصلت على أموال من مروان البرغوثي، كان قد حصل عليها من عرفات.
كيف نجحت في الكشف عنهم؟
- في تلك الفترة بدأت العمليات الأولى على المحاور في أنحاء الضفة، في مواجهة المستوطنين وجنود الجيش الإسرائيلي. تلقيت مكالمة هاتفية من الكابتن لؤي وقال لي إن لديهم معلومات عن أن عددا من الأشخاص غير المعروفة هوياتهم زاروا ماهر عودة، وهو مسؤول كبير في الذراع العسكرية لحماس، ويجب أن اعرف من هم. كنت قد عرفت عودة في السجن عندما كان مسؤولا عن «مجد»، وهي الجهة الأمنية المسؤولة عن التعذيب. استخدمت سيارة، في ذلك المساء، وأوقفتها مقابل بيته. بعد نحو نصف ساعة خرج عدد من المسلحين من مبناه ودخلوا سيارة شيفروليه خضراء ذات لوحات بالعبرية. بدأت أتابعهم وفقدتهم. غضبت من نفسي لأنني فقدتهم. في الصباح، وبسبب توتر الأعصاب، خرجت بسيارتي وتنقلت في المدينة كلها لأبحث عنهم. يئست في آخر الأمر ودخلت مرآبا لغسل السيارات. فجأة رأيت الشيفروليه الخضراء تمر.
قال صاحب المرآب الذي علم أنني ابن الشيخ، إنهم من أفراد «القوة 17» وانهم يسكنون بيتونيا. لم يكن ذلك منطقيا. لماذا يسكن أعضاء «القوة 17» خارج المقاطعة ويكونون مشاركين في العمليات؟ ذهبت إلى العنوان الذي اعطاني إياه صاحب المرآب وعثرت على سيارة الشيفروليه الخضراء، ومن ثم أسرعت إلى إبلاغ لؤي.
لم يصدق لؤي، فما الذي يجعل حرس عرفات الشخصي يفعلون ذلك؟ يجب أن نتذكر أنهم اعتقدوا حتى ذلك الحين أن كتائب شهداء الأقصى مجموعة من حماس، ولم يكونوا يعرفون عنهم شيئا. قالوا لي لا يمكن أن أكون رأيت ذلك. «اغضبني ذلك جدا». سألني لؤي عما إذا كنت واثقاً من أنها شيفروليه وليس بي أم دبليو. ذهبت مرة أخرى إلى البيت ورأيت في الموقف سيارة مغطاة بغطاء أبيض. تقدمت بهدوء إلى السيارة ورفعت الغطاء قليلا. تبينت أنها بي أم دبليو طراز 82. اتصلت بلؤي وأخبرته بالسيارة. «
مرحى! وجدناهم»، صرخ. وأوضح أن السيارة التي وجدتها قد استعملوها في العمليات الأخيرة التي قتل فيها 12 شخصا. بعد مضي وقت قصير حاصرت قوات الجيش الإسرائيلي المبنى في بيتونيا لكن الجماعة لم تكن هناك. لقد أدركوا أنهم كشفوا وسارعوا إلى الاختباء في المقاطعة. كان هناك اثنان مركزيان: أحمد غندور ومهند أبو حلوة. قتل غندور بعد أشهر برصاصة من سلاحه. وأرسل أبو حلوة أشخاصاً آخرين بعد ذلك لتنفيذ عمليات. كان نموذجاً مريباً، اعتاد أن يتجول حاملا رشاشا ثقيلاً في وسط الشارع وأن يطلق النار في كل فرصة. أراد الشاباك اغتياله وأبلغت لؤي أنني موافق على المهمة حتى لو كان معنى ذلك أن يقتل. شعرت أن لا مناص وإلا فسيستمر مهند في قتل أبرياء. «في الرابع من آب (أغسطس) من العام 2001 انتظرت خارج مكتب مروان البرغوثي إلى أن شاهدت أبا حلوة يدخل عليه. بعد مضي بضع ساعات خرج ودخل سيارته الغولف المذهبة. أبلغت الشاباك أنه في السيارة وحده، كان من المهم بالنسبة اليهم ألا يصاب مروان البرغوثي. انتظر الإسرائيليون قليلا حتى ابتعدت السيارة وأصبحت في منطقة مفتوحة ثم أطلقوا عليها صاروخا. يبدو أنه رأى الصاروخ يقترب وحاول أن يقفز خارجا، لكن الصاروخ أصاب الغولف. وأطلق صاروخ ثان أصاب الرصيف. أنا كنت أجلس في سيارة على بعد 100 متر من هناك، وشعرت بقوة الارتداد. اشتعلت السيارة لكن مهند لم يقتل. في ذلك المساء ذهبت مع أبي لزيارة مهند في المستشفى. كان وجهه محروقاً وصعب علي أن أنظر إليه. لكنه شفي وواصل رحلة القتل. وتم اغتياله بعد مضي بضعة أشهر فقط، فقد أطلقت مروحيتان عليه النار عندما خرج من مطعم في بيتونيا.
من أجل أبيه
عرف «الأمير الأخضر» كيف يستعمل اسم ابيه كي ينشئ لنفسه شبكة علاقات داخل المنظمة. وبعد اغتيال الشيخ جمال سليم وجمال منصور في نابلس، وهما اثنان من أصدقاء أبيه، في تموز (يوليو) العام 2001، قرر أن يعزل أباه وأن يخفيه كي ينقذه من الموت. أخرجه من بيت العائلة، وأسكنه فندقا وأقال حراسه، وأبلغ الشاباك آنذاك بمكانه لكنه اتفق مع مستخدميه على ألا يقترب أي إسرائيلي من أبيه. يقول مصعب بدأت في تلك الفترة أتصرف مثل زعيم في حماس. تجولت حاملا بندقية ام 16، وأكدت رابطة الدم مع الشيخ وتجولت مع أعضاء الذراع العسكرية في حماس، الذين كانوا على ثقة من أنني عالم بكل ما يحدث في قيادة الحركة.
وفي الكتاب كلام اكثر وضوحاً: في سن الثانية والعشرين صرت مصدر الشاباك الوحيد داخل حماس، الذي كان قادرا على دخول الذراع العسكرية والسياسية والفصائل الأخرى أيضا. لكنني علمت أنني لا أتحمل هذه المسؤولية وحدي. كان واضحا عندي أن الله مكنني في هذا الوضع في قلب حماس والقيادة الفلسطينية، وفي اللقاءات مع ياسر عرفات وقوات الأمن الإسرائيلية. أصبحت في موقع متميز لفعل العمل واستطعت أن أشعر بأن الله كان معي. أُبعد عن العلاقة المباشرة بعرفات، كما قال، بسبب خطأ غير إرادي: «التقيت عرفات عدة مرات عندما صحبت أبي في اللقاءات التي أجراها معه. لم أحبه، لكنني لم أستطع إظهار ذلك. قبلني ذات مرة ومسحت الرطوبة على نحو غريزي. شعر بالإهانة وشعر أبي بالحرج ومنذ ذلك الحين لم يأخذني إلى لقاءات أخرى معه». كذلك لم يثر مروان البرغوثي تقديرا فيه. وعن مروان يقول: إنه إرهابي على يديه دم إسرائيليين كثر. ورغم أن الشاباك كان يبغضه، إلا أنه لم يشأ تصفيته كي لا يصبح قديسا أو بطلا. عرفت مروان عن طريق أبي. صحبته إلى لقاءات مع مروان في بدء الانتفاضة لكن في لقاءات أيضا بعد ذلك عندما اجتمع ممثلو الفصائل. أصبحت عند حماس وسيطا بين المنظمة والفصائل الأخرى، خصوصاً عندما نزل أبي الى تحت الأرض وتوجهوا إليّ من المنظمات الأخرى مرات كثيرة طالبين مواد متفجرة وسلاحا. وقد كان كل منهم يعتقد أن عندي ما اقترحه ووثقوا بي لأنني ابن الشيخ. «هكذا أتاني أحمد الفرنسي البرغوثي، مساعد مروان المخلص، الذي أبلغني أنه محتاج إلى مواد متفجرة كثيرة من أجل عدد من الانتحاريين من جنين. قلت له إنني سأحاول أن أرتب له شيئا ما، لكنه في تلك الليلة أرسل أحدهم لتنفيذ العملية في سي – فوود ماركت في تل أبيب. وفي الصباح اعتقلنا جميع الآخرين.
وفي مقدمة الكتاب يقول مصعب: لأبي الحبيب وعائلتي المصابة، لضحايا النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. لكل حياة الناس الذين أنقذهم إلهي. لعائلتي، أنا فخور بكم جدا. إن إلهي فقط يستطيع أن يرى ما الذي جرى عليكم. أدرك أن ما فعلته سبب جرحا عميقا آخر قد لا يندمل في هذه الحياة وربما تضطرون إلى معايشة هذا العار إلى الأبد... مع الحب، ابنكم».
تصريحات
في تصريحات سبقت نشر الكتاب (ربما من باب الترويج له) سئل مصعب حول ما ينتظره بعد فضح تعاونه مع اسرائيل، فقال انه لا يخشى الانتقام مما اقدم عليه، وتابع: ليس لدي سبب للاختفاء، فأنا في حاجة الى العمل بجد الآن من اجل السلام اكثر من أي وقت مضى، كما اشعر بالحنين للعودة الى أهلي واصدقائي وبيتي في الضفة الغربية.
وعن كيفية اجهاضه عملية اغتيال شيمون بيريز، عبر تفجير اربع قنابل يدوية الصنع في سيارته، قال انه كلف شخصيا بشراء الهاتف الذي كان سيستخدم من قبل المنفذين لعملية الاغتيال المفترضة، وقام بعدها بتمرير رقم الهاتف الى جهاز الامن الداخلي الاسرائيلي (شين بيت)، الامر الذي اسفر لاحقا عن اجهاض المخطط.
اما عن علاقته بوالده، المناضل حسن يوسف، المعتقل لدى اسرائيل حالياً، فقال مصعب: كان ولا يزال بالنسبة الي البطل، فأنا معجب به، وآمل ان يتخذ موقفا شجاعا ضد العنف، فهذا الرجل يستطيع تحقيق السلام. وفاخر مصعب بانه انقذ ارواح العديد من القادة الفلسطينيين بمن فيهم والده، وذلك من خلال اصراره بتعامله مع الاسرائيليين، على انه رفض الموافقة على مخططات اسرائيل لاغتيالهم. وبمعنى آخر فانه ساعد على اعتقالهم ورفض اغتيالهم. ويبدو ان هذا الامر، كان، من وجهة نظره قمة الوطنية والشهامة.
اما سبب تحوله الى الديانة المسيحية، فقال انه كان روحانيا. واضاف: «لاحقا تحولت الى المسيحية، وآمنت بمبدأ احبب عدوك، ورأيت ان عدوي الذي كنت اعتقد في اول الامر انه عدوي، لديه اخلاقيات ومسؤوليات تتعدى تلك التي لدى شعبي. ووجدت ان مشكلتي في الله الذي يؤمن به المسلمون.
الى ذلك، ذكرت «هآرتس» ان من بين القياديين الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم بفضل تعاون مصعب يوسف، احد مصنعي القنابل في حماس، وهو عبد الله البرغوثي، وابراهيم حامد، القيادي العسكري الحمساوي في الضفة الغربية، والقيادي الفتحاوي مروان البرغوثي، المسجونين حاليا في اسرائيل.
256 صفحة من العمالة
«ابن حماس» الكتاب الذي نشره مصعب، بالاشتراك مع الصحفي الأميركي رون براكين، سيصدر في 256 صفحة، عن «شركة سولت ريفر». نقرأ على غلافه كلمة للناشر قال فيها:
«منذ ان كان طفلا صغيراً، كان مصعب حسن يوسف يطلّع على تحركات جماعة «حماس» الارهابية. انه الابن البكر للشيخ حسن يوسف، احد مؤسسي حركة حماس، واكثرهم شعبية. ومنذ صغره كان يساعد والده في الشؤون السياسية».
يضيف ناشر الكتاب: ان مصعب حسن يوسف، وقبل ان يبلغ الـ21 عاماً، عايش وشاهد اشياء وامورا لا يمكن للعقل ان يصدقها، من فقر مدقع، واساءة استخدام السلطة، وتعذيب وقتل. وقد سمحت ظروفه العائلية بأن يحصل على ثقة كبار قادة حركة «حماس» اثناء انتفاضة الاقصى. وألقي القبض عليه وسجن عدة مرات داخل السجون الاسرائيلية، وانتهى به الامر الى اتخاذ خيارات شديدة الخطورة، اذ قرر التعاون سرا مع اجهزة الامن الاسرائيلية، مما جعله خائناً في نظر عائلته واحبائه. إلا أن اعتقاله سهّل له فرصة أن يطلع على قضايا وتفاصيل شديدة السرية، كانت معروفة فقط ضمن دائرة صغيرة من قادة «حماس».
ومن المتوقع ان يسبب نشر هذا الكتاب معضلة كبيرة لاسرائيل، اذ انه، في الوقت الذي يدعي انه يفضح حركة «حماس»، ويعرضها في صورة التنظيم الهمجي- الارهابي، الذي ينفر منه حتى ابناء قادته، فانه في الوقت عينه يكشف عن تفاصيل واساليب عمل اجهزة الامن الاسرائيلية «شين بيت» و»الشاباك» و»الموساد»، وكيف يتم تجنيد كبار عملائها من بين الفلسطينيين والعرب احياناً.
>>> منقول للإطلاع<<<
ما قصة مصعب الذي اعتنق المسيحية؟ ماذا يقول عن نفسه؟ ماذا يقول عنه الاسرائيليون؟... وما الذي دفعه الى التحالف مع الشيطان ضد بني قومه؟
الحياة السرية لمصعب حسن يوسف يمكن اختصارها بكلمة واحدة: اللامعقول. ابن أبرز مؤسسي حركة «حماس» ورفيق الشيخ احمد ياسين، الشيخ حسن يوسف لا غيره، الذي تجند في «حماس» وتدرب على العمل السري، واختار في النهاية ان يتطوع في خدمة «الموساد» من شدة كراهيته «حماس»، قبل ان يقرر اعتناق المسيحية.
زلزال؟ نعم، الأمر يشبه الزلزال داخل الحركة، وهو زلزال يرويه فصولاً كتاب يحمل توقيع مصعب نفسه الذي صار اسمه «جوزف» (اي يوسف) وينشر هذا الاسبوع في الولايات المتحدة بعنوان «ابن حماس».
متى بدأت القصة؟
القصة بدأت في العام 1996 (كان عمره يومذاك 18 عاماً) يوم قرر التجند في خدمة «الموساد»، ولا تنتهي في العام 2005 يوم قرر اعتناق المسيحية. لماذا اعتنق المسيحية؟ مصعب يقول: ان الدين الاسلامي ليس دين سلام... انه وراء افكار الارهابيين، ويضيف: المشكلة هي في القرآن الذي يقرأه المسلمون المعتدلون والمتطرفون!
وبصرف النظر عن الاسلام الذي يصفه «بالوحشية ودين الكراهية والعنف» من وجهة نظره، نعود الى القصة، استناداً الى ثلاثة مصادر: المصادر الاسرائيلية، مضمون الكتاب، وتصريحات مصعب نفسه.
يشير مصعب إلى أن بداية تجنيده كانت في العام 1996 يوم كان محتجزا في سجن «مجدو» الإسرائيلي. يقول: أثناء الشهور الـ16 التي قضيتها فى السجن الإسرائيلي عرفت الوجه الحقيقي لحماس، «فهي منظمة سلبية وسيئة بكل بساطة، وكان زعماؤها في السجن، وبخلاف بقية المعتقلين العاديين من أعضاء حماس، يعيشون ظروفا أفضل من حيث الغذاء والاستحمام والزيارات العائلية المتكررة، إنهم بلا أخلاق أو مبادئ لكنهم ليسوا أغبياء مثل حركة «فتح» التي تسرق في وضح النهار أمام الجميع. إن أعضاء حماس يتسلمون الأموال بطرق غير مشروعة ويستثمرونها في أماكن سرية، ويبقون ظاهريا على أسلوب حياة بسيط، مضيفاً: «فى نظري كلهم قساة من الداخل».
فى السجن زار مصعب شخص اسمه الحركي «لؤي»، وهو ضابط مخابرات إسرائيلي، وتناقش معه لمدة 60 يوماً لإقناعه بالعمل مع الشين بيت. يقول يوسف إنه انقلب على «حماس» حينما أدرك أن والده - الذي ينظر إليه على أنه معتدل نسبياً - لا يمثل قلب المنظمة. فقد كان يخطب فى مسجد البيرة خطبا حماسية لكنها معتدلة قياساً الى متطرفي حماس. كما رأى مصعب أن جوهر الحركة الإسلامية المسلحة فاسد ومدمر بكراهية الذات التي سببت كوارث للشعب الفلسطيني. وفي هذا يقول أخرجوني من السجن بعدما تأكدوا من صدق كلامي وكراهيتي لـ»حماس» وكانوا يسمونني بـ«الأمير الأخضر»، في إشارة إلى علم حماس الإسلامي الأخضر.
وقد أشاد الكابتن لؤي، ضابط المخابرات الإسرائيلى، بعميله العربي الذى انبثق اسمه من لون راية الإسلام وراية حركة حماس، ومن مكانته كابن لمؤسس الحركة التي عادة ما تقتل الأشخاص الذين يشتبه في تعاونهم مع الدولة اليهودية. في هذا «الانجاز» يقول: «إن الكثير من الناس يدينون له بحياتهم من دون أن يعرفوه». ويضيف: «إن الشيء المدهش أنه كان يقدم هذه الخدمة مجانا من دون الحصول على أي أموال، فلقد فعل ما يؤمن به، إذ أراد أن ينقذ الأرواح، وقد كان ملما بالأمور الاستخباراتية بشكل جيد كما كنا نريد من أفكار ورؤى، ففكرة واحدة منه كانت ستأخذ حوالى ألف ساعة من التفكير من قبل كبار العاملين في المخابرات الإسرائيلية».
مصعب من جهته كشف أن الشين بيت اعتبره المصدر الأكثر مصداقية وأنه الأرفع مستوى، الذي تم زرعه فى أوساط قيادة الحركة الإسلامية «حماس» فبفضل مصعب، تم الكشف عن عشرات الانتحاريين خلال الانتفاضة الثانية، والحيلولة دون اغتيال شخصيات إسرائيلية، مثل الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز والحاخام عوفاديا يوسف، كما اسهم في اعتقال عدد من كبار المطلوبين الفلسطينيين المسؤولين عن قتل عشرات الإسرائيليين في عمليات استشهادية، ومن بينهم عبد الله البرغوثي وإبراهيم حامد ومروان البرغوثي. ويروي مصعب كيف كان يتصل بخالد مشعل أسبوعيا في دمشق وكيف كشف أول خلية لشهداء الأقصى.
ويتحدث مصعب عن آخر مرة تقابل فيها مع والده الشيخ حسن يوسف أثناء الانتفاضة، فقد ذكر له والده أنه بصفته ممثلا لحماس فإنه على اتصال بدبلوماسيين أميركيين من خلال وساطة أوروبية، وأوضح الشيخ يوسف: «أعرف أن ما أقوله للأميركيين سوف يصل الى الإسرائيليين، لذلك أنا أتحدث إلى الإسرائيليين»، وبعد هذا الحديث بأسبوع تم اعتقال الشيخ حسن من قبل «الشين بيت» بمساعدة مصعب ليتفادى تصفية جسدية لوالده على يد الجيش الإسرائيلي.
ويتحدث مصعب عن تجربة اعتناقه المسيحية عندما سافر إلى الولايات المتحدة للقاء شقيقته والبحث عن عمل، لكنه مر بظروف صعبة هناك حتى أرسل إلى أهله يقول إنه لولا الكنيسة وصديق نصراني لأصبح مشردا. كان ذلك في العام 2008.
مصعب حسن يوسف يعيش حاليا في كاليفورنيا، حيث يتعبد بكنيسة سان دييغو. ووفقا لمصعب فإن والده السجين لدى الإسرائيليين أصيب بالصدمة إثر أخباره عن اعتناقه المسيحية، ومع ذلك رفض الأب التبرؤ من ابنه، لأن ذلك يعني موافقته على إهدار دمه وقال لعائلته: «لا نخسر مصعب وندعوه إلى الإسلام والى أن يعود عن فكرته».
وينتهي الكتاب بزعم أن قصة مصعب هي قصة الخطر والشجاعة والايمان بأن محبة الأعداء هي السبيل الوحيد للسلام في الشرق الأوسط. لكن الكتاب لا يتطرق الى قضية اغتيال محمود المبحوح الذي تورط فيها مصعب لدوره في إمداد الموساد بمعلومات عن حركة حماس وتنظيمها الداخلي، وكيف يتنقل المبحوح في عدة مهن من أجل جمع الأموال لحماس.
البدايات
في حديث أدلى به من كاليفورنيا يروي مصعب قصة التحول الذي طرأ على حياته. مراسل الصحيفة الذي سجل الرواية ينقل عن ضابط الأمن «لؤي» الذي أشرف على تجنيده كلاماً مثيراً: لم نعرف صورته بالضبط أو اسمه، لكن عرفنا فقط أنه في العشرينيات من عمره، يلبس قميصا أحمر. أرسلنا «الأمير الاخضر» إلى الميدان وحدد الهدف بمشاعره الذكية في غضون دقائق. عرف من الذي نقله، وتابع السيارة وقادنا إلى اعتقال المنتحر والشخص الذي كان يجب أن يعطيه الحزام. وهذا إحباط لعملية أخرى لا يكاد أحد يذكرها. لا يفتح أحد زجاجات شمبانيا أو يندفع إلى الرقص والغناء. لقد أظهر شجاعة، وأحاسيس ذكية، وقدرة على مجابهة الخطر. علمنا أنه يعطي أقصى ما عنده في كل وضع، في المطر أو الثلج أو الصيف.
يتذكر مصعب يوسف جيدا اليوم الذي دخل فيه رجل شاباك زنزانته في المعتقل في المسكوبية، واقترح عليه أن يعمل من أجل إسرائيل، أو بعبارة أخرى أن يصبح متعاونا. كان حتى ذلك الاعتقال عضوا في خلية طلاب حماس في جامعة بيرزيت وكان مشاركا في رمي حجارة. زج به في السجن بعد أن اشترى سلاحا فقط في العام 1996. عند حاجز قرب رام الله أوقف جنود سيارة السوبارو التي قادها وأمروه بإطفاء المحرك. ويقول مصعب «أخرجوني من السيارة وقبل أن استطيع الدفاع عن نفسي رموني أرضا وضربوني بشدة».
ويوضح أنه لم يخطط لأن يصبح متعاونا ولا قرر ذلك فجأة. «نقلت الى المعتقل، المسكوبية، وتعرضت إلى تعذيب غير سهل وضربوني مرة بعد أخرى في التحقيق، وقيدوا يدي بقوة. آنذاك أتى رجل الشاباك وعرض علي أن اعمل معه. لم أطلب مالا لأن وضعي المالي كان جيدا. فكرت في أن أقول له إنني موافق كي اصبح عميلا مزدوجا ولأنتقم من الشاباك ومن إسرائيل لاعتقالي وللأمور التي فعلوها بأبي.
يضيف: كانت خطتي أن أجمع معلومات عن الشاباك من الداخل وأن استعمل ذلك في مواجهة إسرائيل. علمت أن الحديث عن جهة ظلامية سيئة وعن أشخاص سيئين يقومون باشياء فظيعة كإرغامهم شخصا على أن يصبح متعاونا. لم أعلم آنذاك ما الذي يتحدثون عنه وما هو الشاباك حقا. وبعد أن وافقت تركوني في السجن مدة 16 شهرا كي لا أخرج مبكرا جدا، لأن ذلك كان سيثير ارتيابا بأنني عميل للشاباك».
ويقول إنه شهد في فترة سجنه أشياء فظيعة. «مكثت في السجن مع أعضاء حماس، ومع مسؤولين كبار في المنظمة استعملوا جهازا يسمى «مجد» – وهو جسم أمني داخلي في حماس يرمي إلى الكشف عن عملاء لإسرائيل- كانوا يعذبون السجناء، وأكثرهم من حماس، لأنهم شكوا في تعاونهم. كان عملي أن أسجل الاعترافات وشهادات المحقق معهم واعتمدوا علي لأنني كنت ابن الشيخ. هناك فقدت ثقتي بحماس. لقد قتلوا أشخاصا بلا سبب.
في حين كان الجميع يحذرونني من الشاباك، رأيت لأول مرة في حياتي أعضاء حماس يعذبون رفاقهم وأبناء شعبهم بقسوة لا مثيل لها. لم تهمهم الحقيقة قط. كان يكفي أن يرتابوا بشخص ما حتى تنتهي قصته. لقد عذبوا بقسوة، وأحرقوا أجساد الذين تم التحقيق معهم، ووخزوهم بالأبر واطفأوا السجائر في أجسادهم. وأقسمت لنفسي أنني عندما أتحرر لن أظل في حماس ولن أعمل مع إسرائيل ايضا. اطلقت من السجن في العام 1997 وأقام الشاباك صلة بي. استقر رأيي على قطع الصلة بيني وبينهم، وأردت أن أجابههم كي أفعل ذلك كما يجب. فاجأني أن اللقاء الأول كان وديا جدا ولذيذا. كنت في حالة فضول وأردت أن اعرف أكثر، لم تكن عندي خطط لقتل أحد أو للتجسس، كنت فضوليا ببساطة.
وهكذا وافقت على لقاء مستخدمي، الكابتن لؤي، مرة ثانية، وبعدها مرة بعد أخرى. يقول إن ضابط الشاباك نجح في المرة الثانية في مفاجأته. أوضح لي أنني إذا كنت أريد العمل مع الشاباك فعلي أن احترم عددا من القواعد. لا يجوز لك مصادقة نساء فاسدات وأن تسلك سلوكا غير أخلاقي، هذا ما قاله لي. لا تجامع نساء وتسلك سلوكا أزعر، أنت خصوصاً، ابن شيخ، يجب عليك أن تجد عملا وأن تسوي أمورك. ذات مرة، في منتصف لقاء مع الكابتن لؤي في القدس، أوقف اللقاء وسألني: هل صليت الظهر؟ فوجئت وقلت لا. فطلب مني أن اذهب لأتوضأ وأصلي الظهر ثم نكمل. «
كان من المهم لهم أن استمر كما أنا، وألا أتغير، وأن أكون جديا. فهم يريدون أشخاصا محترمين يقدرهم مجتمعهم لا اشخاصاً لهم سمعة سيئة. وأصبحت أكثر فضولا وأردت ان أتعلم عنهم أكثر. عاد مستخدمي وقالوا لي كل مرة من جديد: عليك أن تحترم أباك وأمك وألا تسيء إلى أحد. لم يطلبوا حتى ذلك الحين معلومات عن أي شخص وأصبحت أكثر جدية في العلاقة بهم. احترمني مستخدمي من جهتهم وعاملوني معاملة حسنة جدا بل ساعدوني في الدراسة. كنت مندهشا لسلوكهم. لم يريدوا العمل ضد الفلسطينيين اطلاقا بل ضد المتطرفين. نظرت إلى هؤلاء الناس الذين أردت في الماضي كثيرا أن أقتلهم وتبين لي أن كل ما علمته عنهم لم يكن صحيحا.
أحب اعداءك
كانت تلك أيضا الفترة التي بدأ فيها يقترب من المسيحية وقرأ الانجيل. «أذكر أنني صادفت عبارة «أحب أعداءك»، ما جعلني أفكر – هؤلاء أعدائي، الشاباك، والجنود يحاولون فقط أداء عملهم. فكرت بيني وبين نفسي كيف تسلك حماس في وضع عكسي، هل كانوا يظهرون الرحمة لليهود؟ وفكرت في نفسي من الذي يهزأ به، هل كانت حماس وفتح تسلكان مسلكا أكثر انسانية؟ ما عدت أستطيع تعريف من هو عدوي. صحيح، ارتكب الشاباك أخطاء وقتل أناسا غافلين لكن هدفه الرئيس وهدف إسرائيل كان الحفاظ على مبادئ دولة ديمقراطية. هناك 1.2 مليون فلسطيني يعيشون في إسرائيل، داخل الخط الاخضر، ويتمتعون بحقوق ورفاهة في إسرائيل أكثر مما في أي دولة عربية. ومع ذلك كله أخذ هؤلاء الجنود أبي أمام عيني، واطلقوا النار على اشخاص أمام عيني. وصدقني أنه لم يكن سهلا عليّ أن أعمل من أجل هؤلاء الأشخاص، كان هذا تحولا حقيقيا».
يسأله مراسل «هآرتس»: ماذا كانت أهدافك عندما وافقت على العمل من أجلهم؟ ويجيب: رأيت تعذيبا وقتلا وحربا على الأرض. أرى أن حياة الانسان وإنقاذه هما الشيء الأهم، أكثر من أي قطعة أرض أو عقار. أردت أن أنقذ وأنقذت حياة إسرائيليين وفلسطينيين. لم يكن ذلك لأن الشاباك ضغط عليّ أو من أجل المال. فعلت ذلك لأنني فهمت ما هي حماس حقا وكان علي أن أقوم بتغيير من أجلي ومن أجل الآخرين. وقلت لنفسي إنهم حتى لو زعموا أنني خائن فليقولوا ما يشاءون. لن يصدقني الناس وسيعتقدون أنني فعلت ذلك من أجل المال لكنهم لا يعلمون. كنت سعيدا، سعيدا جدا، عندما أوقفت مخربا انتحاريا.
خلال المقابلة الصحافية يبرز استعمال مصعب يوسف لضمير المتكلم الجمعي، «نحن»، و»اعتقلنا»، حين يتناول عمل الشاباك. ولديه في كاليفورنيا قميص كتب عليه بالانكليزية «أنا أعمل عملاً سرياً لا أعلم ما هو جهاز الأمن». يقول ضاحكاً: «يوجد لدي أيضا قميص للجيش الإسرائيلي، بلون زيتي مع الشعار الذي أحبه جدا».
في العام 1999 كان مصعب في قلب قيادة حماس في الضفة، وصحب أباه في كل مكان. وكما ينشر لأول مرة في الكتاب، فكر الشيخ حسن يوسف في تأسيس حماس في الضفة قبل أن تولد رسميا بسنة، ويقول مصعب في الكتاب إن أباه الشيخ حسن يوسف التقى الشيخ أحمد ياسين ومحمد جمال النتشة، ومحمد مصلح وآخرين في الخليل في العام 1986، وخططوا لإقامة الحركة.
وفي كانون الأول (ديسمبر) العام 1987 أعلنت حماس تأسيسها رسميا. في أيلول (سبتمبر) العام 2000، عندما كان ارييل شارون يوشك أن يزور جبل الهيكل، كان من الطبيعي أن يصحب مصعب يوسف أباه إلى اللقاءات. وفي 27 ايلول (سبتمبر)، قبل زيارة شارون بليلة، التقى الشيخ يوسف مروان البرغوثي، قائد تنظيم فتح في الضفة وعددا من قادة الفصائل الأخرى. «نقلته إلى اللقاء وعندما عدنا قال لي إنهم اتفقوا على أن يحركوا، بعد زيارة شارون الحرم، تظاهرات تؤدي إلى انتفاضة في آخر الأمر. كانت خططهم إثارة أحداث شغب تستمر أسبوعين أو ثلاثة». ويضيف: خططوا للانتفاضة ولا يقولون لك غير ذلك. لم تشأ قيادة حماس في الخليل وفي غزة المشاركة في أحداث الشغب، لأنها زعمت أن عرفات لا يستحق أن يساعدوه بعدما طارد الحركة على نحو شديد جدا. وفي الحقيقة لم تشارك حماس في غزة في التظاهرات في بدء الانتفاضة. لكن أبي كان مؤيدا لذلك.
ويسأل المراسل: ماذا يعني خططوا؟ هل طلب منهم عرفات فعل ذلك؟ ويجيب مصعب: لا استطيع أن أقول لك إنه اعطى أمرا، لكنه بارك النهج. أيها الرجل، ما الذي تعتقد – كان البرغوثي وحسين الشيخ، وكل اولئك الذين نظموا المظاهرات، يلتقون عرفات كل يوم. فما الذي تحدثوا فيه آنذاك؟ لكن ليس هذا أسوأ شيء تبينته آنذاك عن عرفات. كنت أنا الذي كشفت أن الخلية الأولى من كتائب شهداء الأقصى كانت في واقع الأمر جماعة من أعضاء الحرس الرئاسي لعرفات، القوة 17، التي حصلت على أموال من مروان البرغوثي، كان قد حصل عليها من عرفات.
كيف نجحت في الكشف عنهم؟
- في تلك الفترة بدأت العمليات الأولى على المحاور في أنحاء الضفة، في مواجهة المستوطنين وجنود الجيش الإسرائيلي. تلقيت مكالمة هاتفية من الكابتن لؤي وقال لي إن لديهم معلومات عن أن عددا من الأشخاص غير المعروفة هوياتهم زاروا ماهر عودة، وهو مسؤول كبير في الذراع العسكرية لحماس، ويجب أن اعرف من هم. كنت قد عرفت عودة في السجن عندما كان مسؤولا عن «مجد»، وهي الجهة الأمنية المسؤولة عن التعذيب. استخدمت سيارة، في ذلك المساء، وأوقفتها مقابل بيته. بعد نحو نصف ساعة خرج عدد من المسلحين من مبناه ودخلوا سيارة شيفروليه خضراء ذات لوحات بالعبرية. بدأت أتابعهم وفقدتهم. غضبت من نفسي لأنني فقدتهم. في الصباح، وبسبب توتر الأعصاب، خرجت بسيارتي وتنقلت في المدينة كلها لأبحث عنهم. يئست في آخر الأمر ودخلت مرآبا لغسل السيارات. فجأة رأيت الشيفروليه الخضراء تمر.
قال صاحب المرآب الذي علم أنني ابن الشيخ، إنهم من أفراد «القوة 17» وانهم يسكنون بيتونيا. لم يكن ذلك منطقيا. لماذا يسكن أعضاء «القوة 17» خارج المقاطعة ويكونون مشاركين في العمليات؟ ذهبت إلى العنوان الذي اعطاني إياه صاحب المرآب وعثرت على سيارة الشيفروليه الخضراء، ومن ثم أسرعت إلى إبلاغ لؤي.
لم يصدق لؤي، فما الذي يجعل حرس عرفات الشخصي يفعلون ذلك؟ يجب أن نتذكر أنهم اعتقدوا حتى ذلك الحين أن كتائب شهداء الأقصى مجموعة من حماس، ولم يكونوا يعرفون عنهم شيئا. قالوا لي لا يمكن أن أكون رأيت ذلك. «اغضبني ذلك جدا». سألني لؤي عما إذا كنت واثقاً من أنها شيفروليه وليس بي أم دبليو. ذهبت مرة أخرى إلى البيت ورأيت في الموقف سيارة مغطاة بغطاء أبيض. تقدمت بهدوء إلى السيارة ورفعت الغطاء قليلا. تبينت أنها بي أم دبليو طراز 82. اتصلت بلؤي وأخبرته بالسيارة. «
مرحى! وجدناهم»، صرخ. وأوضح أن السيارة التي وجدتها قد استعملوها في العمليات الأخيرة التي قتل فيها 12 شخصا. بعد مضي وقت قصير حاصرت قوات الجيش الإسرائيلي المبنى في بيتونيا لكن الجماعة لم تكن هناك. لقد أدركوا أنهم كشفوا وسارعوا إلى الاختباء في المقاطعة. كان هناك اثنان مركزيان: أحمد غندور ومهند أبو حلوة. قتل غندور بعد أشهر برصاصة من سلاحه. وأرسل أبو حلوة أشخاصاً آخرين بعد ذلك لتنفيذ عمليات. كان نموذجاً مريباً، اعتاد أن يتجول حاملا رشاشا ثقيلاً في وسط الشارع وأن يطلق النار في كل فرصة. أراد الشاباك اغتياله وأبلغت لؤي أنني موافق على المهمة حتى لو كان معنى ذلك أن يقتل. شعرت أن لا مناص وإلا فسيستمر مهند في قتل أبرياء. «في الرابع من آب (أغسطس) من العام 2001 انتظرت خارج مكتب مروان البرغوثي إلى أن شاهدت أبا حلوة يدخل عليه. بعد مضي بضع ساعات خرج ودخل سيارته الغولف المذهبة. أبلغت الشاباك أنه في السيارة وحده، كان من المهم بالنسبة اليهم ألا يصاب مروان البرغوثي. انتظر الإسرائيليون قليلا حتى ابتعدت السيارة وأصبحت في منطقة مفتوحة ثم أطلقوا عليها صاروخا. يبدو أنه رأى الصاروخ يقترب وحاول أن يقفز خارجا، لكن الصاروخ أصاب الغولف. وأطلق صاروخ ثان أصاب الرصيف. أنا كنت أجلس في سيارة على بعد 100 متر من هناك، وشعرت بقوة الارتداد. اشتعلت السيارة لكن مهند لم يقتل. في ذلك المساء ذهبت مع أبي لزيارة مهند في المستشفى. كان وجهه محروقاً وصعب علي أن أنظر إليه. لكنه شفي وواصل رحلة القتل. وتم اغتياله بعد مضي بضعة أشهر فقط، فقد أطلقت مروحيتان عليه النار عندما خرج من مطعم في بيتونيا.
من أجل أبيه
عرف «الأمير الأخضر» كيف يستعمل اسم ابيه كي ينشئ لنفسه شبكة علاقات داخل المنظمة. وبعد اغتيال الشيخ جمال سليم وجمال منصور في نابلس، وهما اثنان من أصدقاء أبيه، في تموز (يوليو) العام 2001، قرر أن يعزل أباه وأن يخفيه كي ينقذه من الموت. أخرجه من بيت العائلة، وأسكنه فندقا وأقال حراسه، وأبلغ الشاباك آنذاك بمكانه لكنه اتفق مع مستخدميه على ألا يقترب أي إسرائيلي من أبيه. يقول مصعب بدأت في تلك الفترة أتصرف مثل زعيم في حماس. تجولت حاملا بندقية ام 16، وأكدت رابطة الدم مع الشيخ وتجولت مع أعضاء الذراع العسكرية في حماس، الذين كانوا على ثقة من أنني عالم بكل ما يحدث في قيادة الحركة.
وفي الكتاب كلام اكثر وضوحاً: في سن الثانية والعشرين صرت مصدر الشاباك الوحيد داخل حماس، الذي كان قادرا على دخول الذراع العسكرية والسياسية والفصائل الأخرى أيضا. لكنني علمت أنني لا أتحمل هذه المسؤولية وحدي. كان واضحا عندي أن الله مكنني في هذا الوضع في قلب حماس والقيادة الفلسطينية، وفي اللقاءات مع ياسر عرفات وقوات الأمن الإسرائيلية. أصبحت في موقع متميز لفعل العمل واستطعت أن أشعر بأن الله كان معي. أُبعد عن العلاقة المباشرة بعرفات، كما قال، بسبب خطأ غير إرادي: «التقيت عرفات عدة مرات عندما صحبت أبي في اللقاءات التي أجراها معه. لم أحبه، لكنني لم أستطع إظهار ذلك. قبلني ذات مرة ومسحت الرطوبة على نحو غريزي. شعر بالإهانة وشعر أبي بالحرج ومنذ ذلك الحين لم يأخذني إلى لقاءات أخرى معه». كذلك لم يثر مروان البرغوثي تقديرا فيه. وعن مروان يقول: إنه إرهابي على يديه دم إسرائيليين كثر. ورغم أن الشاباك كان يبغضه، إلا أنه لم يشأ تصفيته كي لا يصبح قديسا أو بطلا. عرفت مروان عن طريق أبي. صحبته إلى لقاءات مع مروان في بدء الانتفاضة لكن في لقاءات أيضا بعد ذلك عندما اجتمع ممثلو الفصائل. أصبحت عند حماس وسيطا بين المنظمة والفصائل الأخرى، خصوصاً عندما نزل أبي الى تحت الأرض وتوجهوا إليّ من المنظمات الأخرى مرات كثيرة طالبين مواد متفجرة وسلاحا. وقد كان كل منهم يعتقد أن عندي ما اقترحه ووثقوا بي لأنني ابن الشيخ. «هكذا أتاني أحمد الفرنسي البرغوثي، مساعد مروان المخلص، الذي أبلغني أنه محتاج إلى مواد متفجرة كثيرة من أجل عدد من الانتحاريين من جنين. قلت له إنني سأحاول أن أرتب له شيئا ما، لكنه في تلك الليلة أرسل أحدهم لتنفيذ العملية في سي – فوود ماركت في تل أبيب. وفي الصباح اعتقلنا جميع الآخرين.
وفي مقدمة الكتاب يقول مصعب: لأبي الحبيب وعائلتي المصابة، لضحايا النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. لكل حياة الناس الذين أنقذهم إلهي. لعائلتي، أنا فخور بكم جدا. إن إلهي فقط يستطيع أن يرى ما الذي جرى عليكم. أدرك أن ما فعلته سبب جرحا عميقا آخر قد لا يندمل في هذه الحياة وربما تضطرون إلى معايشة هذا العار إلى الأبد... مع الحب، ابنكم».
تصريحات
في تصريحات سبقت نشر الكتاب (ربما من باب الترويج له) سئل مصعب حول ما ينتظره بعد فضح تعاونه مع اسرائيل، فقال انه لا يخشى الانتقام مما اقدم عليه، وتابع: ليس لدي سبب للاختفاء، فأنا في حاجة الى العمل بجد الآن من اجل السلام اكثر من أي وقت مضى، كما اشعر بالحنين للعودة الى أهلي واصدقائي وبيتي في الضفة الغربية.
وعن كيفية اجهاضه عملية اغتيال شيمون بيريز، عبر تفجير اربع قنابل يدوية الصنع في سيارته، قال انه كلف شخصيا بشراء الهاتف الذي كان سيستخدم من قبل المنفذين لعملية الاغتيال المفترضة، وقام بعدها بتمرير رقم الهاتف الى جهاز الامن الداخلي الاسرائيلي (شين بيت)، الامر الذي اسفر لاحقا عن اجهاض المخطط.
اما عن علاقته بوالده، المناضل حسن يوسف، المعتقل لدى اسرائيل حالياً، فقال مصعب: كان ولا يزال بالنسبة الي البطل، فأنا معجب به، وآمل ان يتخذ موقفا شجاعا ضد العنف، فهذا الرجل يستطيع تحقيق السلام. وفاخر مصعب بانه انقذ ارواح العديد من القادة الفلسطينيين بمن فيهم والده، وذلك من خلال اصراره بتعامله مع الاسرائيليين، على انه رفض الموافقة على مخططات اسرائيل لاغتيالهم. وبمعنى آخر فانه ساعد على اعتقالهم ورفض اغتيالهم. ويبدو ان هذا الامر، كان، من وجهة نظره قمة الوطنية والشهامة.
اما سبب تحوله الى الديانة المسيحية، فقال انه كان روحانيا. واضاف: «لاحقا تحولت الى المسيحية، وآمنت بمبدأ احبب عدوك، ورأيت ان عدوي الذي كنت اعتقد في اول الامر انه عدوي، لديه اخلاقيات ومسؤوليات تتعدى تلك التي لدى شعبي. ووجدت ان مشكلتي في الله الذي يؤمن به المسلمون.
الى ذلك، ذكرت «هآرتس» ان من بين القياديين الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم بفضل تعاون مصعب يوسف، احد مصنعي القنابل في حماس، وهو عبد الله البرغوثي، وابراهيم حامد، القيادي العسكري الحمساوي في الضفة الغربية، والقيادي الفتحاوي مروان البرغوثي، المسجونين حاليا في اسرائيل.
256 صفحة من العمالة
«ابن حماس» الكتاب الذي نشره مصعب، بالاشتراك مع الصحفي الأميركي رون براكين، سيصدر في 256 صفحة، عن «شركة سولت ريفر». نقرأ على غلافه كلمة للناشر قال فيها:
«منذ ان كان طفلا صغيراً، كان مصعب حسن يوسف يطلّع على تحركات جماعة «حماس» الارهابية. انه الابن البكر للشيخ حسن يوسف، احد مؤسسي حركة حماس، واكثرهم شعبية. ومنذ صغره كان يساعد والده في الشؤون السياسية».
يضيف ناشر الكتاب: ان مصعب حسن يوسف، وقبل ان يبلغ الـ21 عاماً، عايش وشاهد اشياء وامورا لا يمكن للعقل ان يصدقها، من فقر مدقع، واساءة استخدام السلطة، وتعذيب وقتل. وقد سمحت ظروفه العائلية بأن يحصل على ثقة كبار قادة حركة «حماس» اثناء انتفاضة الاقصى. وألقي القبض عليه وسجن عدة مرات داخل السجون الاسرائيلية، وانتهى به الامر الى اتخاذ خيارات شديدة الخطورة، اذ قرر التعاون سرا مع اجهزة الامن الاسرائيلية، مما جعله خائناً في نظر عائلته واحبائه. إلا أن اعتقاله سهّل له فرصة أن يطلع على قضايا وتفاصيل شديدة السرية، كانت معروفة فقط ضمن دائرة صغيرة من قادة «حماس».
ومن المتوقع ان يسبب نشر هذا الكتاب معضلة كبيرة لاسرائيل، اذ انه، في الوقت الذي يدعي انه يفضح حركة «حماس»، ويعرضها في صورة التنظيم الهمجي- الارهابي، الذي ينفر منه حتى ابناء قادته، فانه في الوقت عينه يكشف عن تفاصيل واساليب عمل اجهزة الامن الاسرائيلية «شين بيت» و»الشاباك» و»الموساد»، وكيف يتم تجنيد كبار عملائها من بين الفلسطينيين والعرب احياناً.
>>> منقول للإطلاع<<<