[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
قبل أيام، قالت شرطة دبي إن مجموعة من الجاسوسات اشتركن هناك في عملية اغتيال محمود المبحوح، القائد العسكري لحماس، وهي العملية التي اتهمت فيها حكومة الإمارات الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، وأشارت شرطة دبي إلى الأسماء الآتية: إيفي بريتون (تحمل جواز سفر أيرلندي، وكان شعرها أسود، ثم صبغته إلى الأشقر خلال العملية). انا كلاسبي (كانت ترتدي قبعة عملاقة، واختفت من الفندق قبل ساعات من اغتيال المبحوح). غيل فوليارد (تحمل جواز سفر أيرلندي، وكان واضحا أنها تضع باروكة فوق شعرها، ويعتقد أنها كانت نائبة لرئيس الفريق، وصورتها كاميرات الفندق وهي تقف أمام الغرفة 230، غرفة المبحوح، في الوقت ذاته الذي اغتيل فيه داخل الغرفة). وهناك ثلاث نساء أخريات لم تنشر عنهم تفاصيل. وحسب معلومات وصور شرطة دبي، كلهن جميلات، وتتراوح أعمارهن بين 24 و31 سنة. وسافرن حسب معلومات في جوازاتهن إلى بلاد كثيرة، منها: ألمانيا وسويسرا وفرنسا وإيران أيضا، فمثلا: انا كلاسبي (صاحبة القبعة العملاقة) زارت دبي مرتين؛ سنة 2009، ليوم واحد، وقبل يوم من الاغتيال، وليوم واحد أيضا! وتعد الجاسوسية من أقدم المهن التي مارسها الإنسان، حتى قبل أن يطلق عليها تسمية «الجاسوسية». وهي تعني التلصص للحصول على أسرار بطريقة خفية وغير معلنة. وقد عرفت كل الحضارات والأمم القديمة مفهوم التجسس، بدءا من اليابان التي يعد فيها التلصص «صفة اجتماعية»، فأنت تتلصص على جارك وجارك يتلصص عليك، ليس للحصول على معلومات سرية، بل لأن هذا جزء من الثقافة اليابانية. حتى اليوم ينظر اليابانيون إلى التجسس بطريقة إيجابية، ويعتبر من يتجسس أو يعمل في جهاز الاستخبارات بطلا في نظر اليابانيين العاديين. كذلك عرفت الهند والصين القديمة التجسس على الأعداء في الحرب وخلال المنافسات بين القبائل على الثروات والصيد وموارد المياه.
وقد ظهر التجسس حتى أيام الفراعنة لاختراق صفوف العدو. فقد أنشأ الملك تحتمس الثالث فرعون مصر أول جهاز منظم للمخابرات، وذلك عندما طال حصار جيش تحتمس الثالث لمدينة يافا ولم تستسلم، إذ خطرت له فكرة إدخال فرقة إلى المدينة المحاصرة، وأعد له أحد ضباطه، واسمه توت، 200 جندي داخل أكياس دقيق وشحنها على ظهر سفينة اتجهت بالجند وقائدهم إلى ميناء يافا، وهناك تمكنوا من دخول المدينة. وتشبه تلك الحكاية إلى حد كبير قصة «حصان طروادة»، إذ تروي الأسطورة أن حصار الإغريق لمدينة طروادة دام عشر سنوات، فابتدع الإغريق حيلة جديدة، بعدما سمعوا من جواسيسهم أن ملك طروادة مغرم بالأشياء الغريبة، فأعدوا حصانا خشبيا ضخما أجوف مليئا بالمحاربين الإغريق، أما بقية الجيش فظهر كأنه رحل، بينما في الواقع كان يختبئ وراء جبال تيندوس. وقبل الطرواديون الحصان على أنه عرض سلام. وقام جاسوس إغريقي، اسمه سينون، بإقناع الطرواديين بأن الحصان هدية، فأمر ملك طروادة بإدخاله إلى المدينة في احتفال كبير، واحتفل الطرواديون برفع الحصار وابتهجوا، وفي الليل خرج الجنود الإغريق وقتلوا الجميع واستولوا على المدينة! ومن أوائل قصص الجواسيس في التوراة، أن موسى كان قد قاد الإسرائيليين حتى خرجوا من مصر ثم توقف بهم في منطقة مجدبة، وكان يهوا (إله اليهود) هو الذي نصح موسى بأن يبعث بجواسيس إلى أرض كنعان (فلسطين)، فاختار موسى بنفسه جواسيسه، وكانوا يتكونون من رجل واحد من كل قبيلة.
وتقول التوراة: «ثم كلم الرب موسى قائلا: أرسل رجالا ليتجسسوا أرض كنعان. رجلا واحدا لكل سبط من آبائه ترسلون». فأرسلهم موسى ليتجسسوا أرض كنعان. وقال لهم: «اصعدوا من هنا إلى الجنوب. واصعدوا إلى الجبل. وانظروا الأرض، ما هي؟ والشعب الساكن فيها.. أقوي هو أم ضعيف؟ قليل أم كثير؟ وكيف هي الأرض التي هو ساكن فيها؟ أجيده أم رديئه؟ وما هي المدن التي هو ساكن فيها؟ أمخيمات أم حصون؟ وكيف هي الأرض.. أسمينة أم هزيلة؟ أفيها شجر أم لا؟ وتشددوا فخذوا من ثمر الأرض». وكما أسهم رجال في التجسس، أسهمت نساء أيضا، بل أن المثير أن أسماء الجاسوسات أكثر شهرة من الرجال في ذلك العالم المليء بالأخطار والمخاوف! وفي السنة الماضية، في مدينة رالي بولاية نورث كارولينا، انعقد المؤتمر السنوي السادس لخبراء التجسس، والغالبية جواسيس سابقون. وتشرف عليه مجلة «رالي» التي تصدر في المدينة ذاتها، وترأس المؤتمر بيرني ريفز، رئيس التحرير. كان موضوع السنة الماضية «سكس اسبيوناج» (التجسس باستعمال الجنس). وتحدث في المؤتمر هنري جوانيديو، أستاذ تاريخ متقاعد كان يدرس في جامعة كاليفورنيا العريقة، معددا نقاط تفوق المرأة على الرجل في هذا المجال:
أولا: تحفظ الأسرار أكثر.
ثانيا: تنقل الإشاعات أكثر.
ثالثا: تراقب الرجال أكثر، لأنها لا تثق فيهم كثيرا.
رابعا: تجيد التسلسل التاريخي أكثر، لأنها تركز على العائلة.
خامسا: لا تفتخر بإنجازاتها مثل الرجل، وهذه صفة مهمة في التجسس.
وتحدث في المؤتمر أيضا، إي سي سميث، الذي كان محققا في مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي)، وقال: «يبدو أن الصينيين يشبهون الروس في التركيز على الجاسوسات، مثل كاترينا ليونغ، التي أغرت اثنين من شرطة الـ(إف بي آى)، كانا يسميانها (بارميد) (خادمة الصالون)، لأنها كانت تركز على خدمتهما في طاعة كاملة. كانت تبتسم دائما، وتحنى رأسها دائما. وفي المقابل، حصلت منهم على معلومات كثيرة».
وحسب كتاب «فورغيت مي نوت» (لا تنسوني)، الذي كتبه، سنة 1848، الألماني الفريد فيليبس، كان القائد الفرنسي نابليون بونابارت من أوائل الذين اعتمدوا على جاسوسات محترفات.
وفي سنة 1809، عندما كان نابليون في قمة قوته، منع صدور كتاب عن جاسوساته، لكن تسربت أجزاء منه، خاصة عن «مادموزيل د» (ربما كانت أول جاسوسة متفرغة). وحسب الكتاب، استفاد منها نابليون، في بداية حكمه، في التجسس على الألمان. واستفاد من إتقانها اللغة الألمانية. وأعطاها جواز سفر تحت اسم «بريجيت سولنيار»، وكتبت فيه أنها أرملة ضابط سابق في جيش نابليون.
وفي كتاب «استخبارات نسائية: النساء والتجسس خلال الحرب العالمية الأولى»، الذي ألفته تامي بروكتر، تفاصيل عن جاسوسات بريطانيات، مثل: افرا بيهم، واليزابيت ليو، وسيتلا رمنغنتون. وهدف الكتاب فكري، وهو يركز على أن المرأة، مع مجيء القرن العشرين، صارت تقدر على كل شيء. وأيضا هدف الكتاب إلى إنصاف الجاسوسات والإشادة بشجاعتهن.
ولا تذكر جاسوسات الحرب العالمية الأولى إلا وتذكر (ماتا هاري). وهذا اسم حركي للحسناء الهولندية مارغريتا زيلي، التي كانت راقصة في ملهى ليلي في باريس. ولأن هولندا كانت محايدة خلال الحرب، استطاعت ماتا هاري التنقل من دولة إلى أخرى وهي تحمل جواز سفر هولندي ولا تثير الشكوك. ولأن عملاءها كانوا سياسيين كبارا وقادة عسكريين، استرعت انتباه استخبارات كثير من الدول الأوروبية التي كانت تزورها.
وقبل سنة من نهاية الحرب، اكتشفت الاستخبارات الفرنسية أنها جاسوسة مزدوجة، لأنها كانت أيضا تتجسس للاستخبارات الألمانية المعادية، واعتقلتها وقدمتها إلى محاكمة عسكرية. ويوم 15-10-1917، وعمرها أربعون سنة، أعدمت، حيث أطلق عليها عشرون جنديا فرنسيا النار في وقت واحد.
وعندما لم يتقدم أحد لاستلام جثتها، نقلت الجثة إلى معمل تشريح طبي في باريس احتفظ برأسها. ولخمسين سنة، ظل الرأس في متحف طبي فرنسي، حتى سنة 2000، عندما اختفى الرأس، ولم يعثر عليه.
ولأنها أثارت الناس قبل وبعد وفاتها، فقد صارت ماتا هاري بطلة كتب وأفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية ركزت على جمالها، ومغامراتها وخيانتها. ولم تخل هذه من إشاعات مثيرة عن يوم إعدامها، فقد قالوا إنها أرسلت قبلات في الهواء إلى الجنود الذين أعدموها. وقالوا إن آخر جملة قالتها كانت: «ربما عاهرة، لكني لست خائنة». لكن، قالت كتب كثيرة إنها، في الحقيقة، كانت كبش فداء لرجال الاستخبارات الفرنسية الذين فشلوا أمام الاستخبارات الألمانية، وحملوا ماتا هاري مسئولية فشلهم.
وإذا صورت الهولندية ماتا هاري جاسوسات الحرب العالمية الأولى، فإن الأميركية فرجينيا هول، تصور جاسوسات الحرب العالمية الثانية.
قالت جوديث بيرسون، أستاذة التاريخ في جامعة ولاية أريزونا، ومؤلفة كتاب عنها اسمه «ذئاب على الباب» - إشارة إلى «جستابو» (استخبارات هتلر التي اعتبرتها الأخطر وسط الجاسوسات والجواسيس) - على الرغم من أن فرجينيا كانت جميلة، لم تكثر حولها الإشاعات، ربما لأنها كانت قد فقدت ساقا خلال رحلة صيد، وكانت تعتمد على قدم خشبية سمتها (كاثبرت). وكانت تشير إلى الاسم في رسائلها السرية، وربما لهذا اعتقد بعض الناس أنه اسم عشيقها (الذي كان يرافقها إلى كل مكان ذهبت إليه).
وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية، كانت تعمل في السفارة الأميركية في فرنسا، ومن هناك بدأت العمل جاسوسة، خاصة خلال حكومة فيشي (التي أسسها الألمان بعد أن غزو فرنسا واحتلوها). وهناك كان «جستابو» - ألمانيا - يبحث عنها. لكنهم لم يتمكنوا من القبض عليها. وبقيت في فرنسا حتى هزمت قوات الحلفاء هتلر، واسترجعت فرنسا.
وإذا كانت ماتا هاري نجمة جاسوسات الحرب العالمية الأولى، وكانت فرجينيا هول نجمة جاسوسات الحرب العالمية الثانية، فيمكن القول إن فاليري بليم هي نجمة جاسوسات مطلع القرن الحادي والعشرين.
فاليري بليم، هي زوجة جون ويلسون، السفير الأميركي السابق في العراق، الذي كتب سنة 2003، قبيل غزو العراق، معارضا الغزو. وأغضب هذا الرئيس السابق جورج بوش الابن ومستشاريه. وقرروا الانتقام منه، حيث سربوا إلى صحافي أن زوجته، فاليري جاسوسة في الـ«سي آي إيه». وهي جريمة فيدرالية، من شأنها أن تنهي عملها وتعرضها للخطر.
ولا تزال المحاكم الأميركية تحاكم الذين اشتركوا في ذلك، وعلى الرغم من أن أصابع الاتهام وصلت إلى نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، فلا يبدو أنه سيقدم إلى محاكمة. ومؤخرا، أصدرت فاليري بليم كتاب مذكراتها، بعد أن استقالت من الـ«سي آي إيه»، لأنها لم تعد جاسوسة سرية، واسم الكتاب (لعبة غير عادلة)، وفيه تتحدث عن عملها بشكل عام ومن دون أى تفاصيل أمنية حساسة.
وفي إجابة عن سؤال من «الشرق الأوسط»، قالت فاليري بليم: «لا يوجد في كتابي أي إشارة إلى الوسائل التي جمعت بها معلومات. هذه الوسائل من أسرار المهنة، ولا يمكن أن أكشفها. ثم إن عملي لم يكن فرديا، كنت أعمل مع آخرين في شبكة فيها خبراء يقدمون خلفيات تاريخية، وفنيون يوفرون تكنولوجيا التجسس، ورجال أمن يراقبون ويحمون أعضاء الشبكة. عندما كنت أدخل مطعما لأقابل شخصا لأجمع منه معلومات، لم أكن وحيدة، كان هناك حرس سري، ومراقب سري، وفني سري يوفر تكنولوجيا للصوت والصورة، وهكذا. لكن، راقبوني أو لم يراقبوني، لم يكن الجنس جزءا من وسائل التجسس التي استعملتها».
وقالت روزي هوايت، مؤلفة كتاب «نساء عنيفات: الجاسوسات في الثقافة الشعبية»: «إن تفاصيل ما تفعله الجاسوسات للحصول على معلومات، هي خليط من إشاعات وخيالات، خاصة في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، مثل أفلام الجاسوس جيمس بوند وصديقاته الشقراوات». وتابعت: «بينما يوصف الجاسوس بالرجولة والشجاعة، توصف الجاسوسة بالإغراء والحيلة. يحصل هو على الأسرار لأنه شجاع، وتحصل هي عليها لأنها مثيرة أو عنيفة ومسترجلة».
وأضافت: «لكن الحقيقة، هي أن المرأة الغربية، منذ منتصف القرن الماضي، تركت مرحلة الإثارة ودخلت مرحلة المهنية والاحتراف».
وأشارت إلى ديم رمنغنتون، الجاسوسة البريطانية التي نجحت وترقت حتى وصلت إلى منصب مدير الـ«إن آي 5» (جهاز الاستخبارات البريطانية).
ولا تذكر جاسوسات الموساد إلا وتذكر أخريات مشهورات، مثل: تسيبي ليفني، التي صارت وزيرة خارجية في وقت لاحق. وإليزا هاليفي، التي وصلت، قبل سنوات إلى منصب نائب مدير الموساد. وشيرل بن توف، المعروفة باسم «سندي»، التي أغرت موردخاي فانونو، عالم الذرة الإسرائيلي الذي كان قد كشف لصحف بريطانية أسرار المفاعل النووي الإسرائيلي.
وعندما رشحت تسيبي ليفني لرئاسة الحكومة في إسرائيل، بعد أن خلفت ايهود أولمرت في رئاسة حزب كديما، ترك الجميع كل تفاصيل سيرة حياتها وتركزوا في بند صغير يشير إلى أنها خدمت في الموساد. وقد حافظت ليفني على علاقة خاصة بالموساد، باعتبار أنها «ابنة العائلة». وقبل أن تصبح زعيمة حزب كديما بكثير، وتحديدا عندما أصبحت وزيرة لأول مرة في حكومة آريل شارون، حيث سلمها في سنة 2003، وزارتين (القضاء والاستيعاب)، قررت مكافأة قائدتها في الموساد، ميرولا غال، فعينتها مديرا عاما لوزارة الاستيعاب.
وميرولا غال، واحدة من أبرز نساء الموساد في تاريخه، وتعتبر طليعية في رفع مكانة المرأة فيه من عامل ثانوي في مهمات الإغراء إلى قائدة على نشطاء من الرجال والنساء على السواء. انضمت غال إلى الموساد منذ تسريحها من الجيش، وبقيت فيه حتى جلبتها تسيبي ليفني إلى الوزارة. وقد تدرجت في سلم الترقيات وأصبحت رئيسا لفرع باريس، عندما كانت ليفني عميلة ناشئة. وكان دور غال التنسيق مع المخابرات الفرنسية في المهمات المشتركة الكثيرة، ثم أصبحت مسؤولة عن العلاقة مع عملاء الموساد في العالم العربي. وفي سنة 1998، وقع الموساد في فشل ثان كبير (حيث كان قد فشل في اغتيال رئيس الدائرة السياسية في حماس، خالد مشعل، في عمان قبل سنة)، وهذه المرة في سويسرا. فقد تم ضبط عميلين للموساد وهما يحاولان زرع جهاز تنصت على هاتف عبد الله الزين، أحد نشطاء حزب الله، قرب بيته في بيرن. وحدثت أزمة دبلوماسية مع سويسرا. هنا تجندت غال لإنقاذ العلاقات، وتمكنت من وقف التدهور بعد بضعة شهور، التقت خلالها كبار الوزراء والجنرالات الأوروبيين. وتمكنت من تسوية الأزمة وإعادة العلاقات بين الموساد وبقية أجهزة المخابرات الأوروبية. وحصلت على ترقية جديدة، حيث تم تعيينها رئيس فروع الجهاز في أوروبا والعالم العربي. وفي سنة 2001، تم تعيينها رئيس فرع الولايات المتحدة وأميركا الشمالية، الذي يعتبر أهم فرع للجهاز.
ميرولا غال، لم تكن أول امرأة نشيطة في الموساد. فالنساء عملن في أول جهاز مخابرات إسرائيلي أيضا، الذي عرف باسم «شاي» (الاختصار للكلمتين العبريتين: خدمات الأمن)، وذلك في منظمة «هاجاناة»، التي قامت في سنة 1922، في بداية العمل الصهيوني لإقامة الدولة العبرية. ولكن هذه التنظيمات، الصهيونية عموما، اتسمت بالشوفينية الرجالية. واهتمت كثيرا بالقوة والغطرسة. لذلك بقي دور النساء محدودا في تلك الفترة، خصوصا في الجوانب العسكرية والأمنية. والعشرات اللاتي خدمن فيه كن يمارسن أعمالا بسيطة مكتبية، أو يتم إرسالهن إلى مهمات إغراء لاستغلال ضعفاء الحيلة من الخصوم. وأصبحت النساء تشكلن اليوم، ما يعادل 20 في المائة من عدد العاملين في الموساد، برزت بينهن يهوديت نسياهو، التي شاركت في إلقاء القبض على الضابط النازي، أدولف آيخمان، الذي كان مختبئا في البرازيل في سنة 1965، فاختطفه عملاء الموساد وجلبوه إلى إسرائيل وحاكموه بتهمة المشاركة في «الهولوكوست» ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ثم أعدموه.
وهناك الصبية اليهودية التي اشتهرت بفضل نجاحها في الإيقاع بالطيار العراقي، منير رديف، وقد أحبها بشكل جنوني وهما في الولايات المتحدة. وسار وراءها إلى أي مكان تريد. وأقنعته بخطف الطائرة السوفيتية المقاتلة «ميج 21» الجديدة، عندما كانت صرعة العصر. وجلب الطائرة فعلا إلى إسرائيل بعد رحلة طويلة، عبر الخليج العربي ثم البحر الأحمر، قبيل حرب الأيام الستة. ووضعت الطائرة في الحال تحت مراقبة ا ليفنيين الإسرائيليين والأميركيين حولها لكشف أسرارها. ومنذ تلك العملية اختفت هذه العميلة عن الساحة لم يعرف اسمها للملأ حتى اليوم، أما الطيار العراقي محمد رديف فلم يستطع لقاءها ثانية.
وفي سنة 1979، اشتهرت عميلة أخرى للموساد هي ماري تشمبرس عندما اغتالت علي حسن سلامة في بيروت، وهو الذي تعتبره إسرائيل المسؤول الأول عن قتل الرياضيين الإسرائيليين في «عملية ميونيخ» سنة 1972. فقد وصلت إلى العاصمة اللبنانية وهي تتخفى وراء جواز سفر ثان تحمله. وبقيت فيها شهرا، حتى تمكنت من رصد تنقلاته العادية وأعطت الإشارة لقتله. ولم تغادر قبل أن تطمئن إلى أن سلامة لفظ أنفاسه الأخيرة.
وفي سنة 1989 برزت عميلة الموساد التي عرفت باسم ساندي الشقراء في بريطانيا. فقد تمكنت من إقامة علاقات غرامية مع مردخاي فعنونو، العامل في المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة، الذي هرب من إسرائيل حاملا معه أسرار التسلح النووي الإسرائيلي وباعها إلى صحيفة «صاندي تايمز». وقد أقنعته بالسفر معها إلى إيطاليا، للاستجمام فسافر وهناك اختطفه رفاق ساندي من رجال الموساد إلى إسرائيل، حيث حوكم وفرض عليه السجن طيلة 18 سنة.
ولكن أبرز قائدة في الموساد كانت عليزا مجين التي تدرجت في سلم الترقيات حتى أصبحت نائبة رئيس الموساد، وهو ثاني أعلى منصب في الجهاز. ومجين عرفت بقدراتها على القيادة. وفي فترة محاولة اغتيال خالد مشعل، كانت على خلاف كبير مع رئيس الموساد، داني ياتوم. وبدت معترضة على تنفيذ عملية الاغتيال في ذلك المكان والزمان. وحرص الموساد، وفقا لمنشورات إسرائيلية، على تجنيد نساء عربيات. وفي الصحافة الإسرائيلية نشرت عدة أسماء لهؤلاء العربيات، مثل المصرية هبة عبد الرحمن سليم عامر (التي اقتبس من حياتها فيلم الصعود للهاوية) وتزوجت من ضابط في الجيش المصري برتبة مقدم، فاروق عبد الحميد الفقي، وقد تم إعدامهما إبان حكم الرئيس المصري الراحل أنور السادات في سنة 1972.
وانشراح علي موسى وزوجها موسى عمر وهما من مدينة العريش في سيناء وقد ضبطا خلال حرب الاستنزاف، وتم إعدام الزوج وحبس الزوجة، لكن السلطات المصرية وافقت على استبدالها بأسرى مصريين وتسكن في إسرائيل حاليا. وإذا كان الموساد هو الذي نفذ جريمة اغتيال المبحوح، فإن مشاركة عدد كبير من النساء في هذه العملية، إحداهن نائبة قائد العملية، لم يكن مفاجئا لمن يتابع نشاط الموساد.. أو عمل الاستخبارات عموما.
واشنطن: محمد علي صالح تل أبيب: نظير مجلي